عاملان رئيسان في قراءة سياسات الدول في المنطقة، وهو انتماؤها لأحد مبدأين أساسيين: استقرار الدول أو استقرار الفوضى، تقود الأول، المملكة العربية السعودية وتحالفها المكين مع الإمارات العربية المتحدة، وتقود الثاني، إيران وتركيا وقطر وجماعة «الإخوان». هكذا يمكن تلخيص الأوضاع في المنطقة منذ ما يزيد على العقد من الزمان بامتداداته التاريخية المعتبرة.
موقف الأردن السياسي تجاه إيران واضح بشكل كبير منذ تصريحات الملك عبدالله الثاني عن الهلال الإيراني والأفعى الإيرانية منذ ما قبل «الربيع العربي»، ولكن موقفها من محاربة الأصولية والإرهاب قدم نموذجاً مختلفاً يحتمل الكثير من النقد، ولكن ذلك كله تجب قراءته وفق إمكانيات الأردن كبلدٍ يعاني اقتصادياً بسبب شح الموارد وقلة الإمكانيات مع ما تعرض له الأردن من هجرات متتالية عبر عقود من الزمن أجبرته على أن يكون ملجأً لعدد من الشعوب العربية التي عانت حروباً طاحنةً واضطراباتٍ مهلكةٍ.
الأزمة الأردنية الأخيرة لها بواعث داخلية نتيجة قلة الحيلة الاقتصادية، ولكن لها كذلك بواعث إقليمية مهمة، فإيران بحاجة لإضعافه لتعويض خسارتها في العراق، وجماعة «الإخوان» تجد فيه متنفساً لحظرها الإقليمي الخانق، وقطر تريد أن تعيد استعراض عضلاتها الإعلامية، وتستعيد غدرها وخيانتها التي ظنت أنها أكسبتها سياسياً إبان ما كان يعرف زوراً وبهتاناً بـ«الربيع العربي»، وبالتالي فهو ضحية عوامل متعددة هددت استقراره وسلمه الأهلي.
لنستحضر شيئاً من المواقف السياسية القريبة، فالأردن شريك في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن كما أنه شريك في التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وبعد أضخم مناورة عسكرية في المنطقة التي أقيمت في المنطقة الشرقية من السعودية، حضر الملك عبدالله الثاني مع قيادات تحالف الإنقاذ العربي على مائدة ولي العهد السعودي مع ملك البحرين وولي عهد أبوظبي والرئيس المصري، ما يعني أن هذا التحالف هو الامتداد الطبيعي للأردن سياسياً واقتصادياً، كما أن الأردن شريك مهم في أحد أكبر مشاريع السعودية الجديدة الحالمة، وهو مشروع «نيوم» الضخم الذي يقع على حدودها مع السعودية ومع مصر، والذي يشكل حلماً طموحاً ستكون له أثاره الكبرى على الدول الثلاث.
كعادة ملك الحزم الملك سلمان بن عبد العزيز، وكما هي السياسة الثابتة للسعودية في دعم استقرار الدول العربية، فقد دعا العاهل السعودي إلى اجتماعٍ رباعي يعقد في مكة المكرمة لدعم الأردن في مواجهة أزمته الاقتصادية الخانقة، وتعزيز استقراره وأمنه، يشمل السعودية وحليفتها الأقوى دولة الإمارات العربية المتحدة كما يشمل الكويت الشريك الداعم في عدد من الأزمات الكبرى في المنطقة لتقديم مساعدة عاجلة وفاعلة لإنقاذ الأردن الشقيق.
في كل أزمات المنطقة الخانقة شكّلت السعودية والإمارات تحالفاً منقذاً للدول العربية، وتحديداً بعد ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، ووقفت الدولتان جنباً إلى جنبٍ في مواجهة كل التحديات التي هددت استقرار وأمن وسيادة الدول العربية، بقوة السياسة وقوة الاقتصاد وبالقوة العسكرية كذلك، وإن استدعى الأمر الوقوف في وجه سياسات دولٍ كبرى في العالم، والتاريخ القريب خير شاهد.
بعيداً عن عدم الوضوح في الماضي القريب فقد بدأت صفوف المنطقة تتمايز، وبدأت تظهر بجلاء خطوط التماسّ بين الفرقاء فيها، وإعادة الترتيب الكبرى لتوازنات القوى، وقوة التحالفات هنا، وظهر البون الشاسع بين صانعي المستقبل والأمل المفتوح ومعتقلي الماضي الطائفي والأصولي والهوياتي المغلق، وصار واجباً على الجميع تحديد مكانه في هذه الصراعات، فالمنقذ والداعم واضحٌ والعدو الكاشح أكثر وضوحاً. أخيراً، فإن محبة الشعب الأردني لأشقائه في الخليج واضحةٌ، وحكمة الملك عبدالله الثاني وولي عهده جلية، واجتماع مكة سيكون فصل الخطاب.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد